فاس تحتضن اللقاء الوطني لتتبع تنزيل مخرجات المناظرة الوطنية حول حماية الأطفال في تماس مع القانون
كشف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، تفاوت على مستوى توزيع مراكز الإيواء التي تستقبل الأطفال بناء على مقررات قضائية على مستوى مختلف الدوائر القضائية بالمملكة، مؤكدا أن النيابة العامة لجأت إلى جرد الأطفال في وضعية صعبة المودعين بالمراكز المذكورة بغية نقلهم إلى المؤسسات الاجتماعية أو إلى وسطهم الأسري.
وقال الداكي، في كلمة صباح اليوم الإثنين بفاس خلال اللقاء الوطني لتتبع تنزيل مخرجات المناظرة الوطنية حول حماية الأطفال في تماس مع القانون – الواقع والآفاق، إن معطيات تشخيص واقع مراكز الإيواء التي تستقبل الأطفال بناء على مقررات قضائية على مستوى مختلف الدوائر القضائية بالمملكة، أفرزت “وجود تفاوت على مستوى توزيعها الجغرافي وكذا تغطيتها لمختلف فئات الأطفال”.
وأوضح أنه “إذا كانت بعض الدوائر القضائية تتوفر على عدد من المراكز قد يفي باحتياجات إيوائهم، فإنه تم تسجيل عدم توفر دوائر أخرى على أي من هذه المراكز، الأمر الذي يطرح صعوبات عملية في تدبير هذه الخدمة وينعكس سلبا على مسار التكفل القضائي بالأطفال، كما تم تسجيل نقص هام في المراكز المخصصة لاستقبال بعض الفئات كما هو الشأن بالنسبة للأطفال في وضعية إعاقة أو الأطفال المدمنين، وهو ما يدعونا إلى تكثيف الجهود لتجاوز هذه التحديات ضمانا لتكفل ناجع بهذه الفئات”.
وأبرز الداكي أنه بموجب الاتفاقية الموقعة مع وزارة التضامن الإدماج الاجتماعي والأسرة التي تم بمقتضاها إعطاء الانطلاقة “للبروتوكول الترابي للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة”، تم العمل على جرد الأطفال في وضعية صعبة المودعين بالمراكز المذكورة بغية نقلهم إلى المؤسسات الاجتماعية رعيا لمصلحتهم وذلك في إطار اجتماعات تنسيقية بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية، وفق مؤشرات ومعطيات دقيقة مكنت من تحديد احتياجات كل طفل حسب وضعه الخاص.
وأضاف أن مجموع الأطفال الموجودين في وضعية صعبة والمودعين بمراكز حماية الطفولة بلغ 266 طفلا وطفلة تم تجميع مختلف المعطيات والبيانات اللازمة لتيسير اختيار التدبير الأنسب لهم ونقلهم إلى وسطهم الأسري أو إلى مؤسسات اجتماعية معنية بالتكفل بأوضاعهم الصعبة”، لافتا إلى أنه “لتنزيل هذه المبادرة عملت رئاسة النيابة العامة بمعية النيابات العامة على تقديم الملتمسات الضرورية لقضاة الأحداث والمستشارين المكلفين بالأحداث لتغيير التدبير المتخذ في حقهم”.
وسجل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أن رئاسة النيابة العامة بادرت إلى التنسيق مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من أجل تشخيص وضعية الأطفال في خلاف مع القانون المودعين بهذه المؤسسات والذين يزيد عددهم عن 1000 طفل، في أفق الاشتغال على تجنيبهم التدابير السالبة للحرية والاستعاضة عنها بمختلف الخيارات المتاحة قانونا وواقعا من أجل التكفل بهم وفق ما تفرضه المقاربة الإصلاحية والتأهيلية لعدالة الأحداث، وذلك “إيمانا منها بأن أي تدبير يتم اتخاذه لفائدة الطفل كيفما كانت وضعيته تكون الغاية الأسمى منه هي تأهيله وإعادة إدماجه على الوجه السليم كفرد صالح داخل المجتمع بعيدا عن المؤسسات السجنية”.
وأكد بالصدد ذاته أنه “في إطار التفاعل الإيجابي مع هذه المبادرة شرعت السلطات القضائية المختصة في تغيير تدبير الإيداع لصالح عدد من هؤلاء الأطفال”.
وكشف أن خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالنيابات العامة استقبلت خلال سنة 2023 ما مجموعه 35355 طفلا، منهم 26770 طفلا ضحية و1294 طفلا في وضعية صعبة إلى جانب 7394 طفلا في خلاف مع القانون، تم الاستماع إليهم ومرافقتهم وتوجيههم نحو الخدمات القانونية أو الاجتماعية أو النفسية أو الصحية وغيرها.
وأوضح الداكي أن خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالنيابات العامة آلية ناجعة لتوفير الحماية اللازمة لهذه الفئة من جميع صور الاستغلال والانتهاكات والإيذاء، مشيرا إلى أن أعضاء النيابات العامة يسهرون، إلى جانب باقي مكونات هذه الخلايا، على حسن استقبال الوافدين عليها من مختلف فئات الأطفال، والاستماع إليهم في ظروف ملائمة، وتقديم ما يلزمهم من دعم ومساعدة ومرافقة، في استحضار تام للبعد الاجتماعي والإنساني الذي يراعي وضعية هؤلاء الأطفال.
وأشار إلى أن النيابات العامة تعمل على تفعيل دورها التنسيقي بين مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية وغير حكومية ومجتمع مدني، عبر اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، بما يضمن تنسيق الخدمات وتكاملها تحقيقا للمصلحة الفضلى لهذه الفئات في المقام الأول.
ومن أجل توحيد وتجويد أداء النيابات العامة على المستوى الوطني، يضيف الداكي، أن رئاسة النيابة العامة حرصت على توجيه العديد من الدوريات تحث من خلالها قضاة النيابة العامة على تعزيز الحماية القانونية للأطفال من كل أنواع العنف والاستغلال وإساءة المعاملة والإهمال، وتجنيبهم كل الأوضاع الضارة بهم أو المفضية إلى إهدار كرامتهم، مع الحرص على التطبيق الصارم للقانون في مواجهة كل من يرتكب أفعالا جرمية في حقهم، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
وشدد المتحدث على أن هذه الدوريات “لم تقتصر على مجالات الحماية المقررة لفائدة الأطفال فحسب بل امتدت لتشمل جوانب وقائية هامة يأتي في مقدمتها الحد من زواج القاصر، وذلك بإصدار توجيهات واضحة لأعضاء النيابة العامة قصد العمل على تقديم الملتمسات التي تشدد على الطابع الاستثنائي لزواج القاصر وفقا لمنظور المشرع المغربي في هذا الإطار، مع الحرص على إنجاز الأبحاث الاجتماعية والخبرات الطبية والنفسية الضرورية لفائدة القاصر مراعاة لمصلحتها الفضلى، ولتجنيبها مخاطر الزواج المبكر وآثاره الوخيمة على حاضرها ومستقبلها”.
وأكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة أن ما حققه المغرب من مكتسبات “ما هو إلا انعكاس لإيمان راسخ بمحورية أوضاع الطفولة، وتجسيد لإرادة قوية للنهوض بها، عبر عنها المغرب من خلال التوقيع المبكر على الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل في نفس السنة التي صدرت فيها، وهو ما شكل دعوة صريحة إلى تكثيف الجهود الوطنية للنهوض بحقوق الطفل وحمايتها”.
وسجل أن المغرب مضى قدما خلال العقدين الأخيرين في تعزيز هذه الحقوق تنزيلا لرؤية الملك محمد السادس وتأكيد الملك في العديد من خطبه ورسائله السامية على أهمية النهوض بأوضاع أطفال بلادنا، سواء من حيث توفير الحماية الجسدية والمعنوية، أو من حيث تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
ولفت إلى أن حماية حقوق طفلات وأطفال بالمغرب تحظى أيضا بعناية خاصة للأميرة الجليلة للامريم رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل ورئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب، من خلال حرص سموها على دعم المشاريع ذات البعد الاجتماعي والتنموي الهادفة إلى تحسين ظروف عيش الأطفال، وذلك من منطلق إيمان سموها الراسخ بأن الأطفال يجسدون أمل ومستقبل البلاد.
وبهذا الصدد، أبرز الحسن الداكي أن المملكة تبنت “نهجا تشريعيا يروم توفير الوقاية والحماية الشاملة للأطفال انطلاقا من كون الآثار الإيجابية للارتقاء بأوضاع الطفولة لا تقتصر على الطفل ومستقبله فحسب، وإنما تمتد لتشمل الأسرة والمجتمع ككل”، مضيفا “وهو ما سعى دستور سنة 2011 لضمانه من خلال إعطاء دفعة قوية لحماية الأطفال والتكفل بهم، حيث نص صراحة في الفصل 32 منه على أن “الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”.
وذكر المتحدث أن مختلف النصوص التشريعية الوطنية كرست هذا النهج عبر سن العديد من المقتضيات القانونية الرامية إلى توفير حماية ناجعة للأطفال في تماس مع القانون وإرساء آليات للتكفل بهم، وهو ما شكل أحد أهم مقومات النهوض بأوضاع الطفولة وساهم في بناء صرح عدالة صديقة للأطفال تضمن وصولهم إليها بكل يسر ونجاعة بصرف النظر عن وضعياتهم سواء كانوا ضحايا أو في خلاف مع القانون أو في وضعية صعبة، أو متخلى عنهم أو شهود أو مهاجرين”.
وأكد في السياق ذاته أنه “الشيء الذي تعمل أجهزة العدالة جادة على تفعيله من خلال حرصها على تقصى المصلحة الفضلى لهؤلاء الأطفال في كل الإجراءات التي تهمهم وطيلة مسار التكفل بهم بدء من التشخيص القانوني لوضعهم وإلى غاية اتخاذ التدبير الملائم في حقهم وتتبع تنفيذه ضمانا لإدماج حقيقي لهم في المجتمع”.
ونبّه الداكي إلى أن السياسة الجنائية لبلادنا “تضع قضايا الطفولة ضمن أبرز أولوياتها الاستراتيجية، وبذلك فإنها باعتبارها الجهة القائمة على تنفيذ مضامين هذه السياسة، حرصت منذ تأسيسها على إيلاء هذه الفئة أهمية خاصة، من خلال السهر على تفعيل جميع الصلاحيات التي يمنحها لها القانون”