“الآثار النفسية للألعاب الإلكترونية العنيفة، خطر ينمو في غفلة منا “
حسام المجاهدي
أخصائي نفساني
باحث في سلك الدكتوراه
جامعة إبن طفيل القنيطرة – المغرب-
إننا نعيش اليوم عصر التكنولوجية بامتياز، ولن ينكر أحد أن هذا التطور الهائل للتكنولوجية أدى إلى طفرات إيجابية في عدة مجالات، فالإنسان اليوم مرتبط بالتقنية وتطوراتها ارتباطا وثيقا يشكل علاقة جديدة بين الإنسان والتقنية، هذه العلاقة تناولها العديد من المفكرين في القرن الماضي، وهناك من حذر من تطوراتها التي قد تعصف بالإنسان وتستعبده، ولن نخوض في هذا النقاش ، لكننا سنسلط الضوء على جزء هام منه مرتبط بعلاقة التقنية بالتربية ولكي نكون أكثر دقة، وتماشيا مع عنوان المقالة، سنطرح سؤالا واضحا، يهم تطبيقات ألعاب الفيديو وتأثيراتها على الصحة النفسية والنمائية للأطفال.
لقد أصبحت الألعاب الإلكترونية عنصرا أساسيا في حياة الأطفال والمراهقين، وهناك فئات من الراشدين كذلك، وطرأت عليها تطورات عديدة من ألعاب تنمي نشاط المعرفي كألعاب التركيز والانتباه والذاكرة …. إلى ظهور ألعاب جديدة بتقنيات عالية الجودة وبمضمون مختلف وهذا الأخير أصبح يعتمد على بعض الألعاب العنيفة تكمن خطورتها في القيام بأفعال تدميرية، على شكل حروب افتراضية يتقمص فيها المستهلك دور الجندي بكل عدته العسكرية، من لباس وسلاح وتدمير وقتل وفرار.. في إطار لعبة تمزج بين هذا الكم الهائل من العنف من جهة وإتاحة فرصة للمستهلك ان يكون حاضرا في اللعبة صوتا وصورة من جهة أخرى ، لكي تزداد الإثارة الانفعالية للعبة هنا ليمكن اعتبار هذه الانفعالات افتراضية، بل هي فعلا حقيقية تظهر على ملامح الفرد وتأثر على اشتغاله الذهني والانفعالي والسلوكي، هذا ينمي قدرات وأفكار حول إرتكاب الجرائم وطرقها ويخلق هذا الميل ويغذيه، إلى أن يصبح الفرد مدمننا على هذا النوع من الألعاب، وتبدأ الأعراض في الظهور، كالعزلة الاجتماعية داخل الفضاءات اليومية لطفل مثل العزلة في المدرسة أو المنزل وقضاء معظم الوقت داخل هذا الفضاء الافتراضي، وهناك أعراض أخرى تمس الذاكرة وإصاباتها بالضعف وكذلك الخمول والانطوائية وسرعة الغضب، وأعراض جسدية اخرى مثل السمنة وضعف العضلات والمشاكل البصرية ..
وكشفت دراسة نشرتها ” الرابطة الأمريكية للطب النفسي” اجريت على مجموعتين من الأطفال أعمارهم بين 13-15 سنة ان الأطفال الذين اعتادوا ممارسة الألعاب الالكترونية خاصة العنيفة منها والتي تشمل الحروب والقتل، ارتفع لديهم السلوك العدواني واتسموا بسرعة الغضب، بالإضافة إلى اصابتهم بمشاكل في النوم وزيادة عدد ضربات القلب.
وأكدت دراسات أخرى أن الأطفال الذين يقضون وقتا طويلا في هذه الألعاب تقل مهاراتهم الاجتماعية مقارنة بأطفال الأخرين.
التحولات التي تظهر فيما بعد تصبح أكثر وضوحا في سلوك الأطفال وفي كون أنهم طورا نمطا معينا في التعامل مع الأشياء من حولهم، في غفلة منا هناك شيء ما ينموا، شيء لن نستطيع التعرف عليه في المستقبل إذا لم ننتبه جيد لشروط نموه، فكما هو معلوم في علم تحليل السلوك ” يتشكل ويتطور السلوك عندما يجد شروطا تدفعه إلى ذلك ” وإغفالنا للأمر وتساهلنا معه في بيوتنا ومؤسساتنا وكذلك في تفكيرنا الجمعي قد يكون هو عامل من بين عدة عوامل لتشكل ونمو هذه السلوكيات التي ولا محال أنها ستظهر بأشكال وصور أكثر بشاعة وستتحرر من الفضاء الافتراضي لتجد طريقها إلى فضاء الواقع، ولن يظل ذلك العنف والتدمير حبيسا للشاشات.
قد تكون التطورات الحالية للتكنولوجيا يسرت حياة الإنسان في عدة مجالات وقد تكون وفرت فرصا للمضي قدما في حل مشاكل البشرية، لكن هناك دائما أشياء في حدائقها الخلفية تحتاج إلى انتباهنا ويقظتنا كي لا نتحول إلى كائنات نسيت أنها من فصيلة الإنسان.