جهوي

ندوة بفاس تفتح نقاشًا حساسًا: المريض النفسي بين القضاء والعلاج

انعقدت بمدينة فاس، يومي 30 و31 ماي 2025، ندوة علمية وطنية جمعت نخبة من المتخصصين في الطب النفسي وعلم النفس وعلم الاجتماع، إلى جانب قضاة ومحامين وخبراء قانونيين، في نقاش علمي رفيع المستوى حول السياسة الجنائية في مجال الصحة النفسية والعقلية.

 

وقد نُظم هذا الحدث العلمي من قبل مختبر الدراسات القانونية والتحول الرقميالتابع لجامعة سيدي محمد بن عبد الله، بشراكة مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان فاس-مكناس، والمديرية الإقليمية للصحة والحماية الاجتماعية بفاس، والمرصد المغربي للسجون. وشكّلت الندوة مناسبة لطرح إشكاليات معقدة على تقاطع الصحة النفسية ومنظومة العدالة الجنائية.

 

وفي مداخلته أكد الأستاذ السعيد الوردي، مدير المختبر المنظم وأستاذ القانون بكلية الحقوق بفاس، أن هذه الندوة تأتي في سياق تصاعد الجرائم المرتكبة من قبل أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية، ما يكشف عن اختلالات في الإطار القانوني والسياسات العمومية المتعلقة بالصحة النفسية. وأضاف أن الهدف الأساسي هو البحث في الأسباب الجذرية لهذه الأفعال واقتراح حلول شمولية، تنظر إلى الجناة باعتبارهم مرضى في حاجة إلى رعاية صحية واجتماعية، وليس فقط كمجرمين.

 

وأشار الوردي إلى أن المغرب ما يزال يعتمد على ظهير 1959، وهو نص قانوني متجاوز لا يتماشى مع المقتضيات الدستورية لسنة 2011 ولا مع الالتزامات الدولية للمملكة في مجال حقوق الإنسان والولوج إلى العلاج.

 

الندوة العلمية ناقشت أيضا الصحة النفسية في المؤسسات السجنية، من خلال مداخلة حول واقع الصحة النفسية داخل السجون، لعز الدين شفيق، مدير السجن المحلي رأس الماء والمندوب الجهوي بالنيابة، الذي أكد أن الرعاية النفسية تشكل حقًا أساسيًا لفئة النزلاء، مشيرًا إلى الجهود التي تبذلها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في إطار القانون 23.10 المنظم للمؤسسات السجنية، والذي يخصص محورًا كاملاً للرعاية الصحية.

 

وأبرز المسؤول في إدارة السجون أن إنه يتم داخل المؤسسات السجنية إجراء تقييم نفسي ممنهج لكل نزيل جديد، دعم حضور الأخصائيين النفسيين، خاصة لمتابعة حالات الاضطراب العقلي والإدمان، وإعداد دليل مرجعي للصحة النفسية داخل السجون.

 

 

ومن جانبها قدّمت رتيبة العيادي، ممثلة المديرية الإقليمية للصحة بفاس، عرضًا تشخيصيًا دقيقًا لوضع الصحة النفسية في المغرب، وصفته بـ”المقلق”، لافتة إلى وجود أقل من طبيب نفسي واحد لكل 100,000 نسمة، مقارنة بالمعدل العالمي (1.7) والأوروبي (9.4)، إصابة حوالي 48.9% من المغاربة باضطرابات نفسية خلال حياتهم، منها 26% اكتئاب و5.6% اضطرابات ذهانية، استمرار الوصم الاجتماع، ما يؤدي إلى اللجوء إلى الشعوذة أو التخلي عن المرضى، مما قد يُعرضهم ويُعرض المجتمع للخطر.

 

ورغم هذه التحديات، أُطلقت مجموعة من المبادرات، منها:، قالت المسؤولة في قطاع ااصحة تخصيص 123 منصبًا ماليًا خلال سنتي 2024-2025، منها 34 طبيبًا نفسيًا و89 ممرضًا متخصصًا، واعتماد استراتيجية وطنية متعددة القطاعات للصحة النفسية في أفق 2030، تشمل تعميم الخدمات النفسية وإنشاء وحدات استجابة للأزمات.

 

وعلى المستوى المحلي، تضم مدينة فاس ثلاث مؤسسات متخصصة: مستشفى ابن الحسن (بسعة 83 سريرًا)، ووحدة باب الجديد (قدمت 5000 استشارة سنة 2024)، ومركز علاج الإدمان بحي طارق.

 

 

وأجمعت مداخلات المشاركين على ضرورة، إصدار قانون جديد يؤطر العلاقة بين الجريمة والاضطرابات النفسية، ينسخ ظهير 1959 ويتماشى مع دستور 2011 والمعايير الدولية، ووضع سياسة عمومية مندمجة تضمن ولوجًا منصفًا للعلاج النفسي، وتعزيز التغطية الصحية في مجال الطب النفسي، مع التركيز على الوقاية وإعادة الإدماج الاجتماعي.

 

 

 

وشكلت الندوة خطوة أولى نحو بلورة رؤية تشاركية لإصلاح السياسة الجنائية المرتبطة بالصحة النفسية، من منطلق حقوقي وإنساني. وسيتم رفع التوصيات الصادرة عنها إلى الجهات المختصة، في أفق اتخاذ إجراءات ملموسة تُحقق حماية أفضل للأشخاص في وضعية هشاشة، وتعزز الأمن المجتمعي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى